الأربعاء، 21 مايو 2008

رجل الأحلام

رجل الأحلام

المكان: ميدان رمسيس
الزمان: منتصف ال..... (عفواً ليس منتصف الليل كما توقعتم بل هو منتصف النهار) الزحام يفوق الوصف وكأن كل المصريين يسيرون الآن فى هذا الميدان، ليس من عاداتى مطالعة وجوه السائرين لأنها غالباً تحمل انطباعا عاماً واحداً مع قليل من الاستثناءات، لكن وجهه هو جذبنى إليه حوالى عشرة أمتار تفصلنى عنه يسير فى الاتجاه المضاد لذا كان من السهل أن أرى وجهه.
غريب هو هذا الوجه لا يحمل انطباعاً ما أو لوناً محدداً كما لو أنه منحوت من صخر يسير بسرعة وثقة شديدة ... لا يحيد فى خطواته إنما يفسح الآخرون الطريق أمامه ولا أدرى ما السبب ... لا ينظر لشيء محدد بل يسير كالضرير الذى يحفظ الطريق، لكنه ليس كذلك بل هو مبصر حتماً، تقلصت المسافة بيننا ... منظره غريب حقاً يبعث على الفضول فهو طويل القامة بعض الشيء نحيل إلى حد ما يرتدى معطفاً طويلاً شديد البياض وكذلك شعره وحتى رموش عينيه وحواجبه ... إن كل شيء فيه أبيض تماماً حتى الحذاء، أمر غريب جداً.
انتبهت الآن أننا نسير على خط واحد وأن المسافة بيننا تتقلص باستمرار وسرعة ولا أدرى ما السبب فى شعور التحدى الذى أصابنى إذ قررت ألا أحيد عن الطريق كما فعل كل المارين به ... بل سألزم طريقى وليحيد هو عنه إن أراد وإلا فليصطدم بى ولنر ماذا سيحدث ... استمر بالاقتراب وأخذنى عنادى إلى أقصى مدى وقبل متر واحد من وصولنا إلى نفس نقطة ... نظر إلىَ ... إلى عينيى مباشرة ... حيرتنى نظراته جداً فلا تشعر فى عينيه بأى حياة ... لكنها تثير رهبة ما فى أوصالى ... أشعر بها تخترق عقلى وتقرأ أفكارى ... نظرات رهيبة لا يستطيع المرء أن يتحملها طويلاً ... لكنى لن أتنازل عن موقفى وطريقى وليذهب هو إلى الجحيم إذا أراد ... لم يبقى إلا سنتيمترات قليلة ونصطدم حتماً مدام كل منا مصمماً على موقفه ... خطوة واحدة وينتهى الأمر لكنى لن أفسح له الطريق مهما كان.
استيقظت فزعاً ... نظرت حولى أبحث عنه فلم أجد إلا غرفتى و ... فقط.
اللعنة إن هذا الحلم يرفض أن يفارقنى منذ عدة ليالى ... يتكرر بكل وضوح ... نفس التفاصيل ... نفس المكان والزمان ... كل شيء كما هو ... تكرار عنيد كما لو أنى أشاهد فيلم سينما يعاد للمرة الألف، اتجهت حانقاً إلى الحمام لأستعد للذهاب إلى عملى وأنا أحمل بداخلى غضباً هادراً من هذا الحلم اللعين ... فأنا لا أمر على ميدان رمسيس هذا إلا من تحته ... أعنى فى قطار الأنفاق وحسب ولا أسير أبداً فوق الأرض فى هذا الميدان ... فلماذا يصر عقلى الأحمق هذا على رؤية الميدان فى حلمى ... كنت أفضل أن يكون مكاناً آخر دون أن أعى السبب فى حنقى على مكان الحلم دون حنقى على تفاصيله الأخرى ... فأنا أكره الزحام ... أكره الضوضاء ... أكره هذا ال ... كلا أنا لا أكره هذا الرجل إنه فقط يثير فى داخلى الرغبة فى التحدى ... وبعض الفضول ... ترى لماذا هذه المشاعر.
* - * - * - *
المكان: الشارع المؤدى إلى منزلى
الزمان: منتصف ال... الليل (نعم منتصف الليل هذه المرة) عائداً إلى منزلى
الشارع خالى تماماً إلا من قطة بائسة تبحث عن طعام لن تجده أبداً فسكان هذا الحى لا يلقون ببقايا طعامهم إلى القمامة لأنهم ببساطة لا يجدون الطعام الكافى لهم (ولكن هذا الأمر لا يهم) ... الليل ... الضوء الخافت القادم من بعيد ... بقايا أمطار أمس ... الصمت التام إلا من مواء القطة الجوعى ... جو مثالى لأفلام الرعب وجرائم الأحياء الفقيرة ... صوت خطوات تأتى من بعيد ... تسير فى الاتجاه المقابل ... رجل طويل القامة بعض الشيء نحيل إلى حد ما يرتدى معطفاً طويلاً شديد البياض وكذلك شعره وحتى رموش عينيه وحواجبه ... إن كل شيء فيه أبيض تماماً حتى الحذاء ... ماذا؟؟؟ إنه رجل الحلم ... لاشك أنه هو ... لاشك ... شعرت برغبة فى إسراع الخطى إلى منزلى ... خوف شديد ينتابنى الآن ... تبخرت روح التحدى التى تصيبنى حينما أواجهه فى الحلم ... بقيت فقط غريزة الخوف ... هل أهرب منه فعلاً ... شيئاً ما جعلنى لا أفعل ... شبح ابتسامة تراقص على شفتيه وأختفى سريعاً ... نظر إلىَ نظرته تلك ... فزعت ... سمعته يضحك ... قال لى من بين ضحكاته "ما بك هل أنا مخيف إلى هذا الحد؟" ... ألجمت المفاجأة لسانى فلم أرد ... تسمرت فى مكانى ... وقع خطواته وحده يقترب ... كيف رأيت ابتسامته فى هذا الظلام؟ ... كيف عرف أنى أخافه؟ ... يقترب ... مازالت واقفاً فى مكانى ... يقترب ... تتسارع دقات قلبى بشدة ... يقترب ... حان وقت الاصطدام ... هل أصحو مجدداً ... ليس هذه المرة ... تلاشى ... ماذا؟؟؟ تلاشى ... هكذا بكل بساطة؟ كأنه لم يكن هناك منذ برهة؟ ... تسارعت نظراتى تمسح الشارع ... لاشيء ... لابد أنه حلم آخر ... متى استيقظ؟ ... لكنه ليس حلماً هذه المرة إنه حقيقة ... تسارعت خطاى إلى المنزل حتى بلغته أخيراً، لا أدرى لماذا بدا لى بعيداً جداً هذه المرة ... دلفت إلى الشقة مهنئاً نفسى على سلامة الوصول ... وقع خطوات على السلم ... أصابنى الرعب ... هل لحق بى؟ ... لا ... لا أعتقد ذلك ... الخطوات تقترب ... هل سيطرق الباب؟ ... أم أنه سينفذ من خلاله؟ و ...

اللعنة على هذا الحلم السمج الذى يرفض مفارقتى ولكن الغريب فى الأمر أن تفاصيله تغيرت هذه المرة ... إن هذا الحلم يدفعنى إلى الجنون حتماً. وكيف سيأتى المرة القادمة وبأى تفاصيل؟ أمر محير ... هل أزور طبيباً نفسياً؟ ... لا وقت لدى لهذا ... أحوال نسيان الأمر دون جدوى ... آه لو أسبر أغوار هذا الحلم ... مازالت الساعة الثالثة فجراً سأعود إلى نومى وسأحاول نسيان هذا الحلم الغريب.
طرقات خفيفة على الباب انتزعتنى من سريرى ... من هذا الأحمق الذى يأتى إلى فى هذا الوقت؟ ... اقتربت من الباب لأفتحه ... تراجعت ... ماذا لو كان رجل الأحلام ... ناديت من خلف الباب "من؟" أتانى صوت هادئ يطلب منى أن أفتح الباب ... لم أميز الصوت فكررت "من؟" وكرر إجابته ... هل هو رجل الأحلام أم شخص آخر؟ ... أصررت هذه المرة أن يقول اسمه هذا الواقف خلف الباب فأجاب بكل هدوء "رجل الأحلام" ... من؟ ... رجل الأحلام ... أهو حقيقة؟ أم سأصحو هذه المرة أيضاً مفزوعاً كالمعتاد؟ كررت السؤال لأتأكد وكرر الإجابة ليزيدنى فزعاً ... عفواً لن أفتح ... هكذا أجبت وروح العناد تعود إلىَ ... رد فى هدوء "أريد أن أحادثك قليلاً فأنت لا تمنحنى هذه الفرصة فى الحلم أبداً دائماً تخافنى أو تتحدانى رغم أنى أحمل لك الخير" ... ترددت قليلاً لكننى فتحت الباب أخيراً ... هو كما يبدو فى أحلامى بكل تفصيلة فيه ... حتى نظرة عينيه الخالية من أى تعبير والتى تثير رعبى كما تثير بداخلى روح التحدى ... جلس دون أن أطلب منه ذلك ... فتح أزرار معطفه وهو يسألنى فى برود "لماذا تخشانى إلى هذا الحد؟ أنا لست الرجل الذى يثير ذعر الآخرين" أجبته فى برود مماثل وقد نسيت خوفى "وما الذى تثيره فى الناس إذن؟"
أنت لا تعرف الكثير عنى ... لقد أتيت إليك لأعقد معك اتفاقا مفيداً جداً لكلانا "قالها وهو يبتسم ابتسامة باهتة.
تبادر إلى ذهنى كل ما كتب فى قصص الرعب عن الاتفاق الذى يعقده الشيطان مع ضحاياه قبل أن يوقع بهم فى شركه فوجدت نفسى أصرخ "لا".
ابتسم ثم انحنى قليلاً إلى الأمام وهو يقول "هل تعرف من أنا؟
أمر لا يهم ولتخرج الآن من بيتى ... كانت كلماتى تلك حادة ... غاضبة.
نهض ثم سار فى اتجاه الباب وقبل أن يفتحه التفت إلى وقال "نلتقى إذن فى حلمك التالى" ... وجدتنى أصرخ قائلاً "أرجوك ... وصمت" عاود الجلوس على نفس المقعد وهو يقول "اسمعنى إذن ولا تهدر الوقت هباء ... لقد جئت إليك محذراً ... ستقتلك يوماً أحلامك" ... لم أرد فأكمل "هل تعرف شيئاً عن عالم الأحلام؟" أشرت برأسى أن "لا" فاستطرد "إنه عالم غريب لم يفهمه البشر كما ينبغى إن كل ما يدور هناك يؤثر حتماً على عالمكم هنا ... إذا رأيتنى يوماً ما فى حلمك ثانية فاعلم أنك فى خطر محدق خطر قد يلتهم حياتك نفسها فنحن نسيطر على عالم الاحلام هذا وهناك من يريد إلحاق الأذى بك ... ولست إلا نذيراً ... احترس" ألقى بكلماته وانصرف فى هدوء ... لم أفهم حرفاً مما قال ولكن دهشتى لم تفارقنى بعد ... لم استطع العودة إلى النوم هذه الليلة ... بل لثلاث ليالى تالية ... لم يغمض لى جفن ... ولم أخرج من غرفتى كذلك ... كل الوساوس الشريرة وجدت طريقاً سهلاً إلى عقلى ... كل الأشياء المخيفة قفزت إلى ذهنى ... أخاف أن أنام حتى ... لا أدرى ماذا أفعل؟ ... رنين هاتفى المزعج ينتزعنى من أفكارى ... ألو؟ ... أنا رجل الأحلام ... لم أتمكن من الرد ... هل تسمعنى أم أين تراك ذهبت؟ ... نعم أنا هنا ... لماذا لم تنم منذ ثلاث ليالى؟ ... هناك ما أردت أن أقوله لك ... ما هو ... لاتخرج اليوم من منزلك ستدهسك سيارة مسرعة ... أغلق الهاتف ... دائما ما يحرمنى فرصة الاستفهام ... عاودتنى روح التحدى من جديد ... لايعلم الغيب إلا الله عز وجل وليس هذا الأحمق سأخرج إلى الشراع وسأعبر الطريق وحينما أعود إلى منزلى سليماً سأنام بعمق ولن أراه ثانياً فى أحلامى وإن عاد سأقتله.
* - * - * - *
المكان: أحد شوارع القاهرة المزدحمة.
الزمان: منتصف ال ... (منتصف الظهيرة هذه المرة)
أسير بخطى واثقة رغم سوء حالتى من قلة النوم وقلة الأكل ... رائحة رائعة تسلل إلى أنفى ... نعم هى رائحة اللحم المشوى ... إذا كانت الرائحة هكذا رائعة فكيف هو الطعم ... إنى جوعان بشدة ... سأذهب لأكل فى هذا المطعم أين هو؟ ... تتبعت الرائحة ... آه إنه هناك فى الناحية الأخرى من الطريق ... عبرت الطريق إلى المطعم و ... صوت صرير عجلات سيارة مزعج حقاً ... أصوات أناس ترتفع "احترس" ... آلام مبرحة فى كل جسدى ثم صمت مطبق.
أرقد الآن فى مستشفى لعلاج الأمراض النفسية والعصبية من مرض الهلاوس السمعية والبصرية وقد قال الأطباء أن حالتى كانت متدهورة جداً حينما أبلغ الجيران عن حالتى ... أشعر الآن ببعض التحسن خاصة وقد توقفت زيارات رجل الأحلام.

الأحد، 11 مايو 2008

سؤال من صديق

سألنى أحد الأصدقاء (لماذا أنشئت مدونة طالما أن ما تنشره عليها قليلا إلى هذا الحد؟)
أنا لم أنشئ هذه المدونة لتكون جريدة يجب تصدر فى موعد محدد أو أن تكون نشرة للأخبار إنما كانت هذه المدونة لأكتب بها ما لا استطيع أن أحكيه للغير إما لعدم ضيق الوقت – أو – لأنه أمر قد لا يهم أحد المحيطين بى وربما يهم آخرين ، هذه المدونة مساحة شخصية أحياناً أتحدث فيها مع الناس وأحياناً أخرى أتحدث فيها مع نفسى وأحياناً أخرى أصمت حينما لا يكون الكلام هو الحل، أعزائى قراء المدونة (إن كان هناك قراء لها) أرجو ألا يكون إقلالى فى التدوين أمراً مزعجاً لكم ولكنه مرتبط أكثر بالوقت المتاح لى فى اليوم حتى أتفرغ للتدوين كما أنه مرتبط أيضاً بما لدى من كلام.
أشكركم

على الهامش
من بين كل الدروب اخترت دربك
من بين كل القلوب اخترت قلبك
من بين كل المشاعر اخترت حبك