الثلاثاء، 15 يونيو 2010

الأصبع المبتور


فى حياة كل منا لحظة تغير مسار حياته إلى طريق آخر، إما إلى الأفضل وإما إلى الأسوأ وفى حياتى لحظة هامة من هذه اللحظات ورغم أنها أكثر لحظات حياتى ألماً وأشدها قسوة إلا أنها اللحظة التى أتمسك بها حية فى ذاكرتى وأرجو أن تبقى معى إلى الأبد لأتمسك بحياتى الجديدة، كنت مدمناً للمخدرات وأفعل أى شيء للحصول على المخدر ورغم المحاولات المضنية التى حاولت زوجتى اللجوء إليها لتبعدنى عن دائرة الإدمان إلا أن شيطانى كان أقوى منها وظللت طويلاً أهوى فى هذا المنحدر.
ذات مساء عدت إلى منزلى تحت تأثير المخدر وحينما شعرت زوجتى بعودتى آثرت ألا تحتك بى وأنا فى هذه الحالة وانصرفت فى هدوء إلى غرفتها ولكن ولدى هرول إلى فرحاً بتواجدى النادر بالمنزل وهو يفتح ذراعيه ليحتضننى ... قابلته ببرود ولم ألقى إليه بالاً ... شعر الطفل بالانكسار فجلس يبكى ... هرولت أمه على صوت بكائه وحينما سألته قص عليها ما حدث، التفتت تجاهى وهى تقول فى غضب تحاول أن تسيطر عليه "إن كنت تنوى أن تعيش فى هذه الحالة إلى الأبد فعلى الأقل لا تكسر بخاطر الصغير وأحسن معاملته" ... لم أرد عليها وأشحت بوجهى بعيداً فأضافت "لقد تعبنا من هذه الحياة، لابد وأن تجد لنا حلاً، أصبحنا لا نطيق ذلك" تملكنى الغضب من كلماتها ولم اشعر بنفسى إلا وأنا أحاول سحبها من شعرها لأخرجها من المنزل الذى لا تطيق الحياة فيه ... قاومتنى كثيراً وهى تصيح "هذا منزل ولدى ولن أتخلى عنه لمدمن مثلك ليدنسه ويحوله لوكر لتعاطى المخدرات" ... كان بكاء طفلى يعلو وهو يحاول استعطافى كى أترك أمه وشأنها ... استطاعت زوجتى أن تفلت من يدى وتهرول لتحتضن الصغير كى تهدئ من روعه ... فتحت باب المنزل وخرجت غاضباً ... لاحقنى طفلى وهو يرجونى أن أبقى معه ... كان عنادى يدفعنى دفعاً إلى الخارج ... طفلى ينادينى "أحبك يا أبى وأريدك أن تبقى" ... عبرت الطريق وأنا لا اعرف إلى أين أذهب ... خرج الطفل ورائى إلى الشارع وبكائه يعلو ولكنه مازال يرجونى أن أعود ... صوت أمه من بعيد تطلب منه أن يرجع إلى المنزل ... صرير عجلات يعلو ويصاحبها صرخة الطفل ... نظرت ناحيته ... لم أكن أبعد سوى خطوات ... جسده ملقى على الأرض والدماء تنزف منه بغزارة وتغطى جسده الرقيق ... وجهه تعلوه ملامح ملائكية ... كيف لم انتبه من قبل أن لطفلى هذا الوجه المشرق ... أكاد أقسم أنه كان يبتسم لى ... أى أحمق أنا كى لا أشعر بهذه الابتسامة إلا وهى تفارقنى مع صغيرى بلا عودة ... بعد لحظات حاول سائق السيارة الفرار ... حاولت جاهداً التعلق بنافذة السيارة كى أمنعه من الهرب ... جسدى الذى أنهكته لحظات المتعة الزائفة مع المخدرات لم يحتمل تعلقى بالنافذة طويلاً وسقطت على الأرض ... فقدت أحد أصابعى فى هذه المحاولة الفاشلة ... أغرق فى غيبوبة ... صراخ زوجتى يلاحقنى "أنت الذى قتلت الطفل ... أنت الذى قتلت الطفل ".
كلما نظرت الآن إلى يدى وأتأمل مكان الأصبع المبتور أشعر وكأنه التذكار الذى أخده ولدى معه عند رحيله والذى تركه لى كى أعود إلى رشدى ... كلما نظرت إلى مكان هذا الأصبع يزداد تصميمى على ألا أعود كما كنت أبداً، أعمل الآن محاضراً فى أحد مراكز علاج الإدمان ... أمد يد المساعدة لآخرين كى يعودوا إلى الصواب قبل أن يحصل أحدهم على تذكار كالذى حصلت عليه، وكلما بدأت محاضرة لمجموعة جديدة من طالبى العلاج من الإدمان أقص عليهم قصة هذا الأصبع المبتور.