الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

الاستفتاء على الدستور .. مقاطعة أم مشاركة؟


مع كل إستفتاء أو إنتخابات تظهر بعض الدعاوى من بعض التيارات السياسية من أجل مقاطعة هذه الانتخابات أو الاستفتاءات كنوع من الضغط على النظام الحاكم من أجل إثبات اعتراض ما (سواء كان على الطبيعة الشكلية للعملية التصويتية أو على الطبيعة القانونية للعملية التصويتية أو مضمون ما يتم التصويت عليه) وفى مقابل دعوات المقاطعة تظهر دعوات أخرى تلح على المواطنين بالمشاركة فى العملية الانتخابية حتى أن هناك فتوى من دار الإفتاء المصرية خاصة بتحريم مقاطعة العملية الانتخابية لدرجة أصبحت معها هذه الفتوى من الأخبار الثابتة فى الاعلام (المرئى أو المسموع أو المكتوب) فى الفترات التى تسبق العمليات الانتخابية منذ عدة سنوات (البعض يعتبر هذه الفتوى نوعا من استخدام الدين فى السياسة).

هل هناك جدوى من دعوات المقاطعة؟

إذا افترضنا أننا نتحدث هنا عن إنتخابات مجلس إدارة إحدى النقابات المهنية سنجد أن المقاطعة هنا لها جدوى قانونية فى العملية الانتخابية وذلك بسبب وجود ما يسمى بالنصاب القانونى وهو أن يشترط القانون وجوب حضور نسبة معينة من الأفراد التى لها حق التصويت (ولتكن مثلا 75% ممن لهم حق التصويت) وإلا تعتبر العملية الانتخابية بأكملها كأن لم تكن ويحدد لها موعد آخر للإعادة باشتراط نسبة حضور أقل (ولتكن مثلا 60% ممن لهم حق التصويت) وفى حال لم يتم الوصول إلى هذه النسبة فى مرحلة الإعادة يتم تعيين (وليس إنتخاب) مجلس إدارة النقابة من جهة إدارية أو قضائية أو ربما وضعها تحت الحراسة القضائية (مثلما حدث مع نقابة المحامين فى الفترة ما بين النقيب / أحمد الخواجة "رحمه الله" والنقيب / سامح عاشور) وهو أمر ينطبق أيضاً على مجالس إدارات الأندية الرياضية (مثلما حدث مع نادى الزمالك عند تعيين الأستاذ / مرسى عطا الله رئيسا لمجلس إدارة معين للنادى)، لكن النصاب القانونى (أى نسبة معينة لحضور من لهم حق التصويت) هو إشتراط غير موجود فى القوانين المتعلقة بالانتخابات البرلمانية أو الرئاسية أو الاستفتاءات العامة، مما يعنى أن دعوات المقاطعة فى هذه الحالة تعنى إعتراضاً سلبياً على العملية الانتخابية لايحدث أى أثر قانونى على الاطلاق على إقرار نتائج الانتخابات أو الاستفتاءات لكنه يترك فقط أثر سياسى (قد لايكون له أى قيمة فى الدول الديكتاتورية أو التى فى طريقها إلى الديكتاتورية أو التى تتمثل شكل الديموقراطية دون جوهرها) بما يعنى على سبيل المثال أنه إذا كانت هيئة الناخبين مائة عضو وتوجه إلى الصناديق للإدلاء بصوته عشرة ناخبين فقط تكون العملية التصويتية صحيحة ومنتجة لأثرها قانوناً فى هذه الحالة.

إذن ما هو الإجراء الأفضل؟

سأجيب هنا على هذا السؤال من وجهة النظر الشخصية فقط (وهى غير ملزمة لأحد) وادعى أن إجابتى ستكون معتمدة على منطق المصلحة العامة دون إعتبار للاتجاهات السياسية أو المصالح الشخصية.

إجابتى هى: أنى أرى الحل الأمثل فى هذه الحالة هو المشاركة فى العملية التصويتية (أى ما كان إتجاهك التصويتى) وذلك لأن المشاركة فى العملية التصويتية فى هذه الحالة ستضمن التعبير عن رأيك أو إتجاهك السياسى بغض النظر عن نتيجة العملية الانتخابية (سواء كانت لصالح أفكارك وإتجاهاتك أم لا)، ويتميز هذا الحل بأنك لم تترك الساحة السياسية لخصومك السياسين ليفرضوا وجهة نظرهم على الاتجاهات التصويتية وإنما ستشارك من خلال التصويت فى الصناديق فى صناعة القرار السياسى فى هذه الحالة حتى لو لم تكن نتيجة العملية الانتخابية فى صالح إتجاهك السياسى، كما أن هذا الحل سيحقق لكل إتجاه سياسى أن يعرف قدرته الحقيقية فى التأثير على الشارع السياسى وعلى الاتجاهات التصويتية للناخبين فى الدولة وهو أمر بالتأكيد مفيد لكل القوى والأحزاب السياسية فى الدولة لأنه يسمح لكل حزب سياسى أن يبدأ فى مراجعة إستراتيجيات تأثيره وقوته فى الشارع السياسى ويعيد بنائها من جديد لتحقق له تواجداً أكبر فى الشارع السياسى المصرى.

لذا أرى أن دعوات المقاطعة التى تطلقها الآن بعض القوى السياسية المدنية لمقاطعة الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد قد لاتكون ذات تأثير على القرار السياسى فى البلاد وهى بذلك تسمح للقوى السياسية المؤيدة للاستفتاء أن تكون هى صاحبة القرار الفعلى فى الحالة السياسية الحالية فى البلاد بما لها من قدرة كبيرة على حشد المؤيدين إلى صناديق الاقتراع مما سيحقق لهم تمرير هذا الدستور رغم ما يلاقيه من معارضات قوية فى الشارع السياسى المصرى، بينما مشاركة القوى المدنية فى العملية التصويتية تسمح لها فى هذه الحالة أن تؤثر على نتيجة الاستفتاء سواء أقر الدستور أو لم يقر، كما تسمح هذه المشاركة (كما أشرت من قبل) أن تعرف هذه القوى السياسية حجمها وتأثيرها الحقيقى على الشارع السياسى المصرى بما يسمح لها أن تضبط إستراتيجيات الاتصال بالأصوات الانتخابية بما يحقق لها تواجدا أكثر قدرة على ترك بصمة فى السياسة المصرية بدلا من الشكوى الدائمة من قدرة القوى السياسية الإسلامية على التنظيم والحشد والتوجيه الجماهيرى.

وفى النهاية أتمنى أن تسحب القوى السياسية دعوات مقاطعة الاستفتاء والعمل على الحشد الجماهيرى من أجل التعبير عن توجهاتها السياسية فى مصر جنبا إلى جنب مع قوى الاسلام السياسى.

الأحد، 5 أغسطس 2012

أبو الريش .. أهلا بأهل الخير

مثل كل عام تذكرنا المدونة الرائعة داليا قوس قزح بفعل الخير لجهات لا تملك رفاهية الحملات الدعائية المكثفة فى التليفزيون، وكما تعودنا فى كل رمضان سيتم عمل زيارة لمستشفى أبو الريش للتبرع ثم بعد ذلك التجمع على الفطار والتفاصيل هنا على اللينك ده:

http://kouskoza7.blogspot.com/2012/08/blog-post.html

الأربعاء، 1 أغسطس 2012

جنيه ورق

إنى أحبك دائماً، وإلى الأبد، وحتى بعد أن ينتهى الزمان ويتلاشى المكان ويختفى كل شيء من الوجود، سأبقى ... أحبك دائماً.
كلمات رقيقة كتبها شاب فى مقتبل حياته على وجهى ومنحها لحبيبته كذكرى منه، كانا يجلسان على ضفاف النهر العظيم، هذا النهر الذى شهد على ملايين من قصص الحب طوال آلاف السنين تهادى فيها بين جنبات الوادى، بالطبع لم تنجو كل هذه القصص من ضربات القدر وتقلبات الزمان، أما أنا فلست سوى جنيه ورقى انتقل من يد إلى يد ومن حقيبة إلى أخرى، اسكن المصارف أحياناً واقع فى يد البسطاء كثيراً، ابيت بعض الليالى فى المحلات البسيطة واعرف أسرار عملائها الفقراء، وفى الحقيقة أنى احب هؤلاء البشر الطيبين لأنى افرج كثيراً من كرباتهم واشبع عدد من رغباتهم المشروعة ولا ارتاح كثيراً فى جيوب الأغنياء فهم لا يحبوننى كذلك ولكن يرغبون فى العملات ذات الفئات الأكبر، طالت رحلتى بين البشر حتى اصبحت خبيراً فى معرفتهم والحكم عليهم من خلال أياديهم وأعرف أن يد هذا الشاب هى يد طاهرة بريئة، يد حانية عاشقة ومخلصة كذلك، استقر بى الحال فى حقيبة الفتاة التى بادلت هذا الشاب حباً بعشق وهياماً بهوى، وفرحت حينما سمعته يزور أهل الفتاة ليطلب يدها، لكن فرحى لم يطل وشاركت الشاب حزنه حينما رفضه والد الفتاة لأن ما يملكه من عائلتى ليس بكثير، بعد ذلك بفترة قليلة غادرت حقيبة الفتاة وبدأت رحلة جديدة بين أيدى البشر وتعجبت من قدرتها على النسيان السريع، كم وقعت بعد ذلك بين أيادى محتاجة، وكم انتقلت بين أيادى جشعة طماعة، مسكتنى كثير من الأنامل البريئة، وكثير من الأصابع الغادرة، ومن بين آلاف البشر الذين انتقلت بينهم احببت الشاب العاشق الذى كتب كلماته على وجهى من أجل حبيبته، كنت دائماً أتسائل مالذى حدث معه فى الحياة منذ لمسنى للمرة الأخيرة؟، أين وصلت به دروب العمر؟، كنت كلما وقعت فى يد عاشقة تذكرت عشقه لفتاته، وكلما مسكتنى أنامل طيبة اعود لذكرى أنامله الطيبة، لكن هذه هى سنة الحياة نتلاقى ونفترق، نحب وننسى، نحزن ونفرح، تلك هى طبيعة الحياة بين البشر، بعد سنوات طوال أصابنى الوهن وبدأت ورقتى فى الضعف وقاربت على الاهتراء وبدأت رغبة البشر فى وجودى معهم تقل، فهم يحبون الورقات الجديدة منى ويهربون من القديمة، كذلك بدأت الكلمات على وجهى تبهت ورونقها يزول، كم عين طالعت هذه الكلمات وابتسمت وكم عين قرأتها وسخرت، وكم من الأعين لم تهتم.
ارتاح الآن من عناء الرحلة فى درج لأحد المحال الكبرى، لكن الراحة لاتطول إذ اذهب إلى يد جديدة، حينما لامست هذه الأنامل نفرت منها فصاحبها يحمل مشاعر قاسية، قلبه صلب ولايعرف اللين، حينما بدأ يعد النقود بين يديه لمحت عينيه، إنه الشاب العاشق القديم، مالذى اصاب حياته؟ كيف تبدل من إنسان رقيق تسكنه المشاعر الطيبة إلى هذا الرجل القاسى المشاعر غليظ القلب، حينما لمحتنى عيناه شعرت فيهم بومضة الذكريات تتألق فى مقلتيه وشعرت بأنامله تستعيد بعض الرقة القديمة، أخذ يعيد قراءة كلماته مرات عدة وفى كل مرة اشعر بنبضات الطيبة تعود إليه من جديد، خرج بى من المحل وهو مازال ينظر إلى، ركب سيارته ومشاعره تتقلب بين الفرح والحزن، بين السعادة والضيق، قطع علينا صفو اللحظة رنين هاتفه، كان يتحدث فى شئون العمل، وكلما تكلم أكثر كلما شعرت بذكريات الماضى تنسحب من بيننا، فى ثوان توارت المشاعر القديمة وعادت القسوة تظهر من جديد، قبل ان ينهى مكالمته كان قد ألقى بى على الكرسى المجاور، انهى المكالمة وأدار محرك السيارة، أتى السائس مهرولاً وهو يقول عبارات التحية المعتادة، نظر الرجل إلى وتأملنى لثوان ظننت أنه قد يستعيد بعض من طيبته الضائعة لكن خيبة الأمل اصابتنى حينما اختار ما اصبح عليه وتنازل حتى عن ذكرى هذا الماضى، منحنى للسائس وانطلق بسيارته.

الجمعة، 1 يونيو 2012

السيد الجديد


اعانى منذ صغرى من القهر والظلم فما بين تحذيرات أبى وأمى بسماع أوامرهما دون مناقشة إلى استهزاء المدرسين من أى محاولة للفهم والمناقشة حتى تعنت أساتذة الجامعة ضد أى رأى بين الطلاب مخالف لما ورد بكتبهم .. نشأت منذ الصغر على السمع والطاعة، فأنا ولد مؤدب إذا سكت فى البيت، تلميذ مجتهد إذا إلتزمت حفظ المنهج الدراسى، شاب مثالى إذا لم أناقش أساتذتى وآمنت بأرائهم .. حتى تسربت إلى نفسى سلوكيات الخنوع والخضوع .. تحولت إلى شخص يقبل أن يرتفع الآخرون على هامته المكسورة دوماً .. أقبل الظلم بلا تذمر .. أوافق على الإهانة بلا حزن .. يمكن لأى من كان أن يغتصب حقوقى ويمتهن من كرامتى ولا أغضب .. مذلولاً طوال الوقت .. كنت فى داخلى أدرك أن هذا خطئى .. اعرف أن ما يحدث لى، يحدث فقط لأننى قبلت به .. وإنى إذا لم اسع لحقى فلن يأتى إلى .. ما ارغب فى الحصول عليه لن يقدمه أحداً لى ولكن على أن انتزعه لنفسى .. بينما لاافعل فى الواقع أى شيء من أجل أن تعود إلى كرامتى .. حتى إذا تذمرت .. اتذمر فقط بينى وبين نفسى ولا أقاتل من أجل نفسى .. أتأفف سراً .. اتألم دون أنين .. لدرجة أن هذا السلوك النفسى تحول أيضا إلى سلوك جسدى .. فكنت طوال الوقت أمشى مطأطأ الرأس منحنى الظهر حتى إعتاد رأسى على الطأطأة وإعتاد ظهرى على الإنحناء.
ذات صباح استيقظت لأجد الشوارع تموج بمئات البشر .. يرفضون الظلم .. يكرهون الصمت .. يلعنون الذل .. يطلبون الكرامة والحرية .. يقاتلون من أجل عزتهم ورفعة شأنهم .. ومع الوقت يزدادون إلى آلاف .. إلى ملايين .. يتشبثون بحقوقهم .. يعاندون فى صواب رأيهم .. يتمسكون بأحلامهم حتى لاتسرق من بين أيديهم .. بهرنى سلوكهم وتحضرهم .. جذبنى تفتح عقولهم .. أسرنى ثباتهم .. اتابعهم من شباك حجرتى مندهشا .. كيف تجرؤوا هكذا؟ .. أين ذهب الخوف من قلوبهم؟ .. كيف مات الخنوع فى أنفسهم؟ من أين لهم هذا الثبات وهذا الوعى؟ .. كانوا يتصايحون (يا أهلينا انضموا لينا) .. ملئنى ندائهم بالحماس .. من يرفض دعوة لمحاربة الظلم؟ .. من يرفض التحرر من الذل؟ .. من يرفض الدفاع عن الكرامة والحرية؟ .. أبدلت ملابسى بسرعة وهرولت إلى الشارع كى أنضم إلى الموجات الهادرة من البشر الساعين إلى الحق .. ما إن خرجت إلى الشارع حتى آتانى صوت قنابل الغاز مرعباً .. ورائحتها أسالت الدمع وخنقت الأنفاس .. طلقات الرصاص مفزعة .. تحصد منهم من تلاقيه .. يتساقطون بكثرة .. ويكمل غيرهم المسير .. إنهم مجانين حتماً .. من يلقى بنفسه فى هذا الجحيم؟ .. ألا يخشون الموت؟! .. ألا يحافظون على سلامتهم؟ .. تراجعت إلى مدخل البيت من جديد .. اصابنى الاضطراب .. جبنت .. جزعت .. عدت إلى شقتى مرة أخرى .. وجلست أشاهد التلفاز منحنى الظهر كالعادة .. أتسائل .. لماذا تراجعت؟ .. لماذا جبنت؟ .. لماذا جزعت؟ .. اكتشفت الآن حقيقة نفسى .. أنا أقبل أن اهان واحتقر واستعبد لأنى أخاف .. أغلقت النوافذ وجلست فى الظلام لأنى لا استطيع مواجهة الشمس .. بدأت اسب هؤلاء الذين اشعرونى بضعفى وخوفى وجبنى وذلى .. ألعن من اشعرونى بتقبلى للظلم دون خجل .. اكره أنهم كشفوا لى كم أنا ضئيل .. خانع .. خاضع .. ذليل .. أمقتهم جميعاً لأنهم عرونى أمام نفسى.
زاد حنقى وحقدى عليهم حينما نجحوا فى مسعاهم .. وبسرعة .. لأن هذا النجاح اعجزنى أكثر .. اظهرنى قزماً أمام أفكارهم وجرأتهم .. لم أكن فى حاجة للبحث عن حجج أدارى فيها مشاعرى .. فقد تكفل غيرى بهذا وتمسكت بحججه .. الاستقرار .. عجلة الإنتاج .. إنهيار سوق المال .. توقف السياحة .. كلها تهم من السهل إلصاقها بهؤلاء الرجال كى استر عجزى خلفها .. ومعى ملايين غيرى يسيرون فى نفس الدرب تحت ظل السيد الجديد.