مع كل إستفتاء أو إنتخابات تظهر بعض الدعاوى
من بعض التيارات السياسية من أجل مقاطعة هذه الانتخابات أو الاستفتاءات كنوع من
الضغط على النظام الحاكم من أجل إثبات اعتراض ما (سواء كان على الطبيعة الشكلية للعملية
التصويتية أو على الطبيعة القانونية للعملية التصويتية أو مضمون ما يتم التصويت
عليه) وفى مقابل دعوات المقاطعة تظهر دعوات أخرى تلح على المواطنين بالمشاركة فى
العملية الانتخابية حتى أن هناك فتوى من دار الإفتاء المصرية خاصة بتحريم مقاطعة
العملية الانتخابية لدرجة أصبحت معها هذه الفتوى من الأخبار الثابتة فى الاعلام
(المرئى أو المسموع أو المكتوب) فى الفترات التى تسبق العمليات الانتخابية منذ عدة
سنوات (البعض يعتبر هذه الفتوى نوعا من استخدام الدين فى السياسة).
هل هناك جدوى من دعوات المقاطعة؟
إذا افترضنا أننا نتحدث هنا عن إنتخابات مجلس
إدارة إحدى النقابات المهنية سنجد أن المقاطعة هنا لها جدوى قانونية فى العملية
الانتخابية وذلك بسبب وجود ما يسمى بالنصاب القانونى وهو أن يشترط القانون وجوب
حضور نسبة معينة من الأفراد التى لها حق التصويت (ولتكن مثلا 75% ممن لهم حق
التصويت) وإلا تعتبر العملية الانتخابية بأكملها كأن لم تكن ويحدد لها موعد آخر
للإعادة باشتراط نسبة حضور أقل (ولتكن مثلا 60% ممن لهم حق التصويت) وفى حال لم
يتم الوصول إلى هذه النسبة فى مرحلة الإعادة يتم تعيين (وليس إنتخاب) مجلس إدارة
النقابة من جهة إدارية أو قضائية أو ربما وضعها تحت الحراسة القضائية (مثلما حدث
مع نقابة المحامين فى الفترة ما بين النقيب / أحمد الخواجة "رحمه الله"
والنقيب / سامح عاشور) وهو أمر ينطبق أيضاً على مجالس إدارات الأندية الرياضية
(مثلما حدث مع نادى الزمالك عند تعيين الأستاذ / مرسى عطا الله رئيسا لمجلس إدارة
معين للنادى)، لكن النصاب القانونى (أى نسبة معينة لحضور من لهم حق التصويت) هو
إشتراط غير موجود فى القوانين المتعلقة بالانتخابات البرلمانية أو الرئاسية أو
الاستفتاءات العامة، مما يعنى أن دعوات المقاطعة فى هذه الحالة تعنى إعتراضاً
سلبياً على العملية الانتخابية لايحدث أى أثر قانونى على الاطلاق على إقرار نتائج
الانتخابات أو الاستفتاءات لكنه يترك فقط أثر سياسى (قد لايكون له أى قيمة فى
الدول الديكتاتورية أو التى فى طريقها إلى الديكتاتورية أو التى تتمثل شكل
الديموقراطية دون جوهرها) بما يعنى على سبيل المثال أنه إذا كانت هيئة الناخبين
مائة عضو وتوجه إلى الصناديق للإدلاء بصوته عشرة ناخبين فقط تكون العملية
التصويتية صحيحة ومنتجة لأثرها قانوناً فى هذه الحالة.
إذن ما هو الإجراء الأفضل؟
سأجيب هنا على هذا السؤال من وجهة النظر
الشخصية فقط (وهى غير ملزمة لأحد) وادعى أن إجابتى ستكون معتمدة على منطق المصلحة
العامة دون إعتبار للاتجاهات السياسية أو المصالح الشخصية.
إجابتى هى: أنى أرى الحل الأمثل فى هذه
الحالة هو المشاركة فى العملية التصويتية (أى ما كان إتجاهك التصويتى) وذلك لأن
المشاركة فى العملية التصويتية فى هذه الحالة ستضمن التعبير عن رأيك أو إتجاهك
السياسى بغض النظر عن نتيجة العملية الانتخابية (سواء كانت لصالح أفكارك وإتجاهاتك
أم لا)، ويتميز هذا الحل بأنك لم تترك الساحة السياسية لخصومك السياسين ليفرضوا
وجهة نظرهم على الاتجاهات التصويتية وإنما ستشارك من خلال التصويت فى الصناديق فى
صناعة القرار السياسى فى هذه الحالة حتى لو لم تكن نتيجة العملية الانتخابية فى
صالح إتجاهك السياسى، كما أن هذا الحل سيحقق لكل إتجاه سياسى أن يعرف قدرته
الحقيقية فى التأثير على الشارع السياسى وعلى الاتجاهات التصويتية للناخبين فى
الدولة وهو أمر بالتأكيد مفيد لكل القوى والأحزاب السياسية فى الدولة لأنه يسمح
لكل حزب سياسى أن يبدأ فى مراجعة إستراتيجيات تأثيره وقوته فى الشارع السياسى ويعيد
بنائها من جديد لتحقق له تواجداً أكبر فى الشارع السياسى المصرى.
لذا أرى أن دعوات المقاطعة التى تطلقها الآن
بعض القوى السياسية المدنية لمقاطعة الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد قد لاتكون
ذات تأثير على القرار السياسى فى البلاد وهى بذلك تسمح للقوى السياسية المؤيدة
للاستفتاء أن تكون هى صاحبة القرار الفعلى فى الحالة السياسية الحالية فى البلاد
بما لها من قدرة كبيرة على حشد المؤيدين إلى صناديق الاقتراع مما سيحقق لهم تمرير
هذا الدستور رغم ما يلاقيه من معارضات قوية فى الشارع السياسى المصرى، بينما
مشاركة القوى المدنية فى العملية التصويتية تسمح لها فى هذه الحالة أن تؤثر على
نتيجة الاستفتاء سواء أقر الدستور أو لم يقر، كما تسمح هذه المشاركة (كما أشرت من
قبل) أن تعرف هذه القوى السياسية حجمها وتأثيرها الحقيقى على الشارع السياسى
المصرى بما يسمح لها أن تضبط إستراتيجيات الاتصال بالأصوات الانتخابية بما يحقق
لها تواجدا أكثر قدرة على ترك بصمة فى السياسة المصرية بدلا من الشكوى الدائمة من
قدرة القوى السياسية الإسلامية على التنظيم والحشد والتوجيه الجماهيرى.
وفى النهاية أتمنى أن تسحب القوى السياسية
دعوات مقاطعة الاستفتاء والعمل على الحشد الجماهيرى من أجل التعبير عن توجهاتها
السياسية فى مصر جنبا إلى جنب مع قوى الاسلام السياسى.