دقات الساعة تعلن إقتراب الموعد المنتظر منذ زمن بعيد ... اليوم أراها لأول مرة ... كم اشتقت من قبل أن أراها ... أن أسبر أغوارها ... أن اعرف ما تحتويه من مشاعر وتجارب ... كم تمنيت أن أطالع تاريخ الإنسانية الساكن بين جدرانها ... منذ أعلنت الساعة بدقاتها الرشيقة وصوتها المبهج الناعم – والذى كرهته من قبل – وأنا فى حالة من النشوة لم أعهدها بنفسى من قبل إلا مرات قلائل ... كنت منذ الليلة الماضية وأنا على أتم إستعداد للقاء الأول ... تخيرت أفضل ملابسى تلك البدلة الباهظة الثمن والتى احتفظ بها للمناسبات الخاصة ... انتقيت عطراً هادئاً يتناسب مع هذه اللحظة الغير عادية فى حياتى والتى لا أدرى متى تتكرر ... فلكى أذهب إليها للمرة الأولى كان لابد أن أسافر من القاهرة - المدينة ذات الأوجه المتعددة كما أراها أنا - إلى مدينة الإسكندرية حتى اتمتع باللقاء الأول ... حرصت أن يكون حذائى فى أبهى حالاته وأن تكون لمعته غير مسبوقة إلا لحظة خروجة للحياة من بين أنياب الماكينات للمرة الأولى ... بدأت الرحلة ... كان الطريق من القاهرة إلى الإسكندرية بالنسبة لى كأنه الطريق إلى الجنة ... كأنه الطريق إلى النعيم المقيم ... دقات قلبى تسابق دقات الساعة ... وكان الشوق قد بلغ مداه ... عيناى تحاول أن تستبق الطريق علها تراها قبل الوصول ... تمنيت لو أنى أملك عيون زرقاء اليمامة حتى أراها من بعيد ... وصلت السيارة إلى كورنيش البحر وللمرة الأولى لم تخطفنى زرقته وأمواجه وأنا العاشق لهما فهى عندى أهم الآن وربما فى كل المرات القادمة إذا قدر لى أن أزرو الإسكندرية مجدداً ... أمام باب كلية التجارة جامعة الإسكندرية كان قلبى يقفز من صدرى فهناك كان اللقاء ... تقدمت إليها وعيناى لا ترجفان حتى لا تضيع من نظرى لحظة واحدة ... رأيت عليها كل حروف الهجاء فى الأرض ... عرفت كل اللغات أمامها ... تقدمت حتى الباب ... خطوت خطوتى الأولى ... وهكذا طار عقلى ليسكنها إلى الأبد ... كنت مسحوراً وكان لابد أن أكون كذلك فهاهنا علوم البشر وأدبهم وكل فكرهم ... أقسمت لنفسى أنها لحظة لابد أن أسجلها فى تاريخ حياتى ... إنها اللحظة الأولى التى أزرو فيها مكتبة الإسكندرية