السبت، 14 يونيو 2008

لا تفتح التابوت

(لا تفتح التابوت، فسيذبح الموت بجناحيه كل من يجرؤ على إزعاج الفرعون)
_____________________________________________________
ألف مبروك يا دكتور حسام على العيادة الجديدة، بهذه الكلمات هنأت صديقى الدكتور حسام على عيادته الجديدة التى افتتحها فى منطقة الأهرام والتى هى فى الحقيقة عبارة عن فيلا صغيرة قديمة اشتراها حسام مؤخراً واتخذ الدور الأرضى منها عيادة واتخذ الدور العلوى مسكناً له.
أجابنى مبتسماً: الله يبارك فيك يا يوسف، أتفضل اشرب العصير. تناولت منه كوب العصير مبتسماً وتبادلنا بعض عبارات المجاملة الرقيقة ثم انسحب للترحيب بباقى ضيوفه، توجهت إلى النافذة لأطل منها فوقعت عينى على الأسطورة الخالدة أبد الزمان "هرم الملك خوفو" أو الهرم الأكبر كما يفضل البعض تسميته وسرحت مع المنظر الخلاب حول عظمة الحضارة الفرعونية ... انتزعتنى من أفكارى ربتة خفيفة على كتفى، التفت لأجد حسام يقول لى مبتسماً: طبعاً واقف تتغزل فى الهرم !! والله يا أخى الفراعنة دول هايكلوا دماغك ... يا بنى خلاص ده كان زمن وعدا خلينا بقى فى حياتنا.
ابتسمت وأنا أقول: هما صحيح زمن وعدا لكن سحر الزمن ده هايفضل عايش طول العمر، وكفاية إن محدش قدر يوصل لسر بنا الهرم ده ولا سر التحنيط مثلاً.
حسام: أنا عارف إنى مش هاخلص معاك فى حكاية الفراعنة ولو إنى شايف إن مافيش إعجاز يعنى إنك ترص كام حجر على بعض فيبقى معبد أو مقبرة أو هرم.
بدا نوع من الغضب الخفيف على وجهى وأنا أقول له: لو كان مافيش إعجاز إنك ترص كام حجر على بعض فيبقى هرم أو مقبرة يبقى فى إعجاز كبير إن الكام حجر دول يفضلوا مرصوصين فوق بعض كده آلاف السنين فى الوقت اللى فيه ملايين من المبانى على مختلف العصور ما قدرتش تستمر 200 – 300 سنة. شعر حسام بالحرج جراء هجومى المباشر على كلماته فابتسم معتذراً: خلاص يا سيدى أنا آسف، الفراعنة دول أعظم ناس فى الكون، بس أنت ماتزعلش. وهكذا أغلق حسام باب النقاش فى سرعة ودبلوماسية ولأن حسام صديقى العزيز منذ سنوات طويلة فلقد تناسيت الموقف سريعاًُ.
مرت عدة أيام دون أن ألتقى بحسام حتى اتصل بى مساء أحد الأيام وطلب منى أن أمر عليه فى العيادة لنخرج قليلاً بعد أن ينتهى من الكشف على مرضاه، وبالفعل ذهبت إليه وأمضينا معاً وقتاً قليلاً بالعيادة ثم خرجنا لنستقل سيارته وما أن رأى حسام السيارة حتى انتابه غضب شديد إذ كان زجاج السيارة الأمامى ملوثاً بشدة باللون الأحمر وحينما اقتربنا من السيارة تبين أن الموجود على الزجاج ما هو إلا كلمة ... كلمة واحدة كانت كفيلة بإثارة حسام إلى أقصى حد ... "لا تفتح التابوت" كانت هذه هى الكلمة التى كتبت على زجاج السيارة باللون الأحمر وأخذ حسام يسب ويلعن أطفال الحى الذين لا يكفون عن العبث بسيارته بأشكال عدة، دخل حسام السيارة ليبحث عن شيء يمسح به العبارة المكتوبة وهو يقول "كل عيل هنا فاكرلى نفسه أخناتون ... تابوت إيه وزفت إيه اللى افتحه ... عيال شياطين" وخرج من السيارة حاملاً بيده فوطة صفراء ليمسح بها الزجاج وما أن بدأ فى مسح الزجاج حتى تراجع إلى الخلف فاغراً فاه كمن أصابه الذهول وهو يحدق فى زجاج السيارة دون أن ينبث ببنت شفه دققت النظر إلى زجاج السيارة لتصيبنى الدهشة أنا أيضاً ... فقد كانت الكلمات مكتوبة بالـ ... دم.
أفاق حسام من صدمته وهو يصرخ "هى حصلت يا ولاد الـ .... "حذفت العبارة لأسباب أخلاقية" ... تلاقى حد فيهم دابح حاجة والشياطين دول عملوا كده فى عربيتى بدمها" وأخذ يصرخ ويهدد أشخاص غير مرئيين وهو فى ثورة لا تتناسب مع اقتناعه بأن هذا عبث أطفال.
بعد أن قام بتنظيف الزجاج دخلنا السيارة وحينما حاول حسام إدارة المحرك لننطلق إلى وجهتنا ... رفض المحرك الاستجابة تماماً ولم تصدر منه أى حركة ... عاود الغضب يسيطر على حسام من جديد ... حاولت تهدئته وإعادته إلى الفيلا مرة أخرى ... جلس على مكتبه وهو يلهث من شدة الغضب ... بادرته قائلاً " مش شايف إن الثورة دى كلها غريبة شوية؟" نظر إلىَ كمن لا يعى السؤال فاستطردت "قصدى يعنى مش شايف إن غضبك ده كتير على شوية عيال لعبت فى العربية ... وخلاص عدت الحكاية" رد ومازال شيء من الغضب يسكن عينيه "أصلها مش أول مرة ... كأن ما فيش عربيات فى الشارع غير عربيتى أنا ... أول مرة رسموا تعبان على الكبوت... تانى مرة رموا على العربية بقايا طائر مذبوح ... ودى تالت مرة وكمان العربية عطلت" قلت له " يا سيدى ولا يهمك عيال بقى" واستمر بيننا الحديث حتى ذهب بنا الكلام إلى أشياء عدة ... انتهت السهرة ونهض حسام لتوصيلى إلى الباب ... وما أن فتح الباب حتى انتابه ذهول شديد هذه المرة ... فقد كتب على الباب بالدماء أيضاً عبارة "لا تنتهك حرمة الموتى" ... كانت الدماء لا تزال تسيل على الباب ...وقفنا والحيرة تلفنا ... هرول حسام إلى الشارع عله يجد من كتب هذه الكلمات ... أخذ يتلفت فى كل الاتجاهات لكنه لم يعثر على أحد ... وقفت أتأمل الكلمات "لا تنتهك حرمة الموتى" وتذكرت الكلمات التى كانت مكتوبة على السيارة "لا تفتح التابوت" وتذكرت أمر الثعبان الذى رسم من قبل على السيارة والطائر المذبوح ... هل بينها رابط ما؟ ... بادرنى بقوله "شايف" وهو يشير إلى الكلمات المكتوبة على الباب ثم أردف "موتى إيه بس اللى أنا إنتهكت حرمتهم؟" هززت رأسى له والحيرة تملئ عقلى سرت إلى حيث يقف ... حاولت أن أجد كلمات ما لتواسيه لكنى فشلت ... لفنا الصمت لبرهة ... كانت الساعة تشير إلى ما بعد الثانية صباحاً وبعد كلمات قصيرة عدت إلى المنزل وأنا فى حيرة من أمرى "هل هذا حقاً من عبث الأطفال؟ ... ومن أين للأطفال بهذه العبارات؟" عدة تساؤلات ظلت تدور برأسى و ... وسرعان ما خطفنى النوم ولكن الكلمات ظلت تطن فى رأسى حتى وأنا نائم "لا تفتح التابوت ... لا تنتهك حرمة الموت ... الثعبان ... الطائر المذبوح" ... بعض الخيالات الغير واضحة ... كلمات بلغة غير مفهومة ... فزعت من نومى بعد الرابعة فجراً بقليل ... لقد تذكرت هذه الكلمات ... لقد كتبت على مقبرة توت عنخ آمون ... لا تنتهك حرمة الموتى ... لا تفتح التابوت، فسيذبح الموت بجناحيه كل من يجرؤ على إزعاج الفرعون ... نعم ... إنها هى نفس الكلمات ... لكن ما علاقة حسام بكل هذا ... هرعت إلى الهاتف لأطلب رقم حسام ... صوت الجرس لا ينقطع ... لا يجيبنى أحد ... كررت المحاولة ربما كان نائماً ... وأخيراً جائنى صوته ملئ بالنعاس "ألو" ... "حسام ... أنا فهمت إيه الحكاية ... أنا جايلك حالاً" وأغلقت الهاتف دون أن أنتظر منه رد ... هرولت إلى سيارتى وانطلقت بها إلى فيلا حسام ... وصلت أخيراً ... كانت الأنوار مضاءة فى الدور السفلى ... اقتربت من الباب ... كانت العبارة موجودة مرة أخرى ... مكتوبة بالدماء أيضاً ... كانت كاملة هذه المرة ... لا تنتهك حرمة الموتى ... لا تفتح التابوت، فسيذبح الموت بجناحيه كل من يجرؤ على إزعاج الفرعون ... طرقت الباب وحينما فتحه حسام والحيرة تملئ وجهه ... بادرته قائلاً ... إنت أزعجت فرعون ... نظر إلىَ كمن ينظر إلى مجنون ثم قال "فرعون إيه يا جدع أنت ... أنت مخبول ولا حاجة ... لم أرد بل أخذته إلى الباب ليقرأ العبارة الجديدة ... يبدو أنه اعتاد الأمر فذهوله هذه المرة أقل ... شرحت له أن هذه العبارة كانت مكتوبة على قبر الملك توت عنخ آمون و كيف أن كثير من حوادث الموت الغامض اختطفت عدد كبير من المشاركين فى العمل بالمقبرة نتيجة عدم أخذهم هذه العبارة على محمل الجد وأن مثل هذه الحوادث تكرر بعد ذلك عدة مرات فى ظروف مشابهة ... فغر حسام فاه كأنما لا يفهم شيئاً ... قلت له "يا إما فى مقبرة تحت فيلتك أو إنك وقعت على مومياء بالصدفة أو أى حاجة تخص فرعون من الفراعنة" ... انتفض كمن تذكر شيئاً هاماً وهرول إلى داخل الفيلا ... هرولت خلفه ... وصل إلى قبو الفيلا وهو يصيح "هنا ... هنا المشكلة كلها" لحقت به ... كان يبدو أن هناك أعمال حفر تمت فى هذا القبو فى الفترة القريبة ... سألته "إيه ده؟" قال أنه لاحظ منذ عدة أيام وجود تسرب للمياه فى القبو فظن أن ماسورة المياه الرئيسية قد ثقبت ولهذا أحضر بعض العمال لإصلاحها ولكنهم بعد أن انتهوا من العمل فى اليوم الأول لم يعودوا لاستكماله وهو ما تزامن فعلاً مع الحوادث الغامضة التى كان يظنها شقاوة أطفال ثم سألنى "طب والعمل إيه دلوقت؟" فأجبته على الفور يجب إبلاغ الشرطة وهيئة الآثار أننا نشتبه بوجود مقبرة تحت فيلتك" أجاب على الفور "ما حدش ها يهتم لو قلنا نشتبه دى ... وبعدين دول ممكن ينزعوا ملكية الفيلا" قلت له "طب وناوى تعمل إيه؟" أجابنى والقلق فى عينيه "أخاف لو الآثار جت فتحت المقبرة إن اللعنة دى تفضل تطاردنى لأنى سبب فتحها... أنا أحسن حاجة أردمها تانى وأبيع الفيلا وأحاول أنسى الموضوع ده من أصله" صرخت فى وجهه "تردم عليها !!! ... مستحيل طبعاً الآثار لازم تاخد علم بالحكاية دى" قال لى "طب استنى لما أبيع الفيلا الأول علشان أضمن الفلوس اللى دفعتها فيها على الأقل" صرخت فى وجهه "مش ممكن طبعاً" ثم هرولت إلى الباب وأنا أصرخ "أنا لازم أبلغ البوليس" ... توقفت خطواتى أمام باب سيارتى وأنا فى ذهول تام ... فقد كانت العبارة الملعونة مكتوبة هذه المرة على زجاج سيارتى أنا ... وبالدماء أيضاً ... لا تنتهك حرمة الموتى ... لا تفتح التابوت، فسيذبح الموت بجناحيه كل من يجرؤ على إزعاج الفراعنة ... وفوق السيارة كان هناك عدد من ثعابين الكوبرا تصدر فحيحاً مخيفاً وهى تزحف نحوى.

هناك 9 تعليقات:

رؤية يقول...

جميلة وقد شدتنى كثيرا
ارجوا الاتكون توقفت عند هذا الحد
اكملها وستكون قصة رائعة حقا

نقطة تحول يقول...

اشعرتني هذه القصة بالخوف هل هي لعنة الفراعنة ام مجرد هلاوس سمعية وبصرية...نتمنى الا تكون النهاية ماساوية لان حياتنا اليومية هي بحد ذاتها ماساة.وشكرا على زيارتك الكريمة لمدونتي.

فارس بلا جواد يقول...

أسلوبك شيق ومليئ بالإثارة .. أعتقد أنك تفضل القراءة للدكتور أحمد خالد توفيق .. في الحقيقة تبدو فيك سمات كاتب موهوب .. استمر في كتاباتك .. وأنتظر جديدك

واحد من البلد دى يقول...

السلام عليكم
مبدئيا أنا من أشد المعجبين بالفراعنه
ولكنى أختلف مع الكثيرين من الذين يعتقدون بوجود ما يسمى(لعنة الفراعنة)وأرجع أسباب ما يحدث لمكتشفى المقابر و المنقبين عن الأثار إلى أسباب علمية بحتة...
ربما لم يتمكنوا من إكتشافها حتى الأن..

وما عدا ذلك..
فأسلوبك السردى جميل جدا و أعجبنى بشدة
تحياتى لك

محمد فاروق الشاذلى يقول...

أصدقائى الأعزاء/
أسعدنى مروركم جداً وأسعدتنى تعليقاتكم.
رؤية: نعم توقفت القصة عند هذا الحد.
نقطة تحول: النهاية ليست مأساوية لكنها مفتوحة لتتخيل معى نهايتك المفضلة.
فارس بلا جواد: تعليقك منحنى كثير من الثقة بالنفس وللأسف أنا لست من قراء د / أحمد خالد توفيق وهو شيء معيب لكننى أفتخر بأنى من قراء د / نبيل فاروق والذى أثر فى إعتقادى فى جيلنا وعدة أجيال تلت.
واحد من البلد دى: أنا كمان بحب قوى الفراعنة بحكم عملى فى السياحة وقصتى مش تأييد أو نفى للعنة الفراعنة بقدر ما آثارتنى الفكرة.
أشكركم جميعاً للمرة الألف لمروركم الكريم وتعليقاتكم التى أسعدتنى للغاية.

محمد فاروق الشاذلى يقول...

الشاعر الجميل / واحد من البلد دى هل تسمح لى بوضع رابط لمدونتك عندى؟

شهد الكلمات يقول...

انا مع الدكتور فارس بلا جواد في راية انت فعلا موهوب

و انا سعيدة ان في حد انضم لنادي محبي الدكتور احمد خالد توفيق

تحياتي

محمد فاروق الشاذلى يقول...

الأخت / شهد الكلمات
أشكرك جداً على رأيك الذى أسعدنى
وكم أسعدنى أبضاً أن أنضم إلى نادى المعجبين بالدكتور / أحمد خالد توفيق فبعد د / فارس بلا جواد بحثت عن كتابات > / احمد وقرأت له أسطورة دكتور لوسيفر التى أعجبتنى بشدة وسأقرأ المزيد له إن شاء الله
ملحوظة(وفيت بوعدى لكى وأمتلك البطل سيارة فى هذه القصة حتى لاننزعج مجدداً بسبب المواصلات :)

شهد الكلمات يقول...

هههههههههههههههههههههههههههههه
ايوة كدة لحسن بتعب انا من الشعلقة في المواصلات معاك ههههههههههههههه

اهلا بيك في النادي

تحياتي